بناء المرونة. مقابلة مع المرأة التي وراء باتي

إضافة إلى ميولها لدخول مجال العمل الحر، بدأت نورة التميمي رحلتها في عالم الريادة في مكان غير متوقع، في جمعية طُلابية في جامعة كندية. ومن خلال مبادرة أسبوع التوعية الإسلامية، والتي كانت مشاركتها فيها بمثابة التجربة العملية الأولى للعمل مع زوجها وشريكها عبدالرحمن البسام، علمت أنه بإمكانها تقويض مهاراتها في مشروع أكبر

الموقع الأصلي لمطعم وكافيه باتي فرانس الذي امتد عمره لأكثر من 35 سنة وأُعيد افتتاحه عام 2015

الموقع الأصلي لمطعم وكافيه باتي فرانس الذي امتد عمره لأكثر من 35 سنة وأُعيد افتتاحه عام 2015

رأى الثُّنائي فرصة وديناميكية إيجابية في عملهم ليؤسسا في ما بعد ’مشاريع عون.’ منذ ذلك الحين، ساهمت أخلاقيات العمل لدى نورة ورغبتها الملحة في إضافة قيمة وبصمة مهمة في إحياء مشروع باتي فرانس والذي احتل مكانة مرموقة في قطاع الضيافة والترفيه في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. وكان نهجها بالعمل باليد الذي اتبعته عاملاً مساهماً في خلق مستوى عالي من الفهم بما يختص باستثمارات شركة عون النشطة

ينسب الثُّنائي الفضل في إنجازاتهما المميزة إلى روح الفريق ووضوح الرؤية. فمن خلال الدافع القوي والمرونة والخبرة التي تحليا بها استمرا في بناء موروث الريادة العائلي والذي سيستمر لسنوات وأجيال قادمة

مؤخراً أتيحت لنا فرصة الجلوس مع نورة التميمي لمناقشة أُصُول شركة مشاريع العائلية وأساليبها لتنمية المرونة و أهمية مهارات حل المشاكل على الأرض

كيف بدأتِ رحلتك المذهلة في ريادة الأعمال

لم أتخيل يوماً أنني سألعب دوراً مهماً كفرد من القوة العاملة. لطالما كانت شركة عائلتي (مجموعة التميمي) من أهم الشركات في المملكة العربية السعودية، ولكن تاريخياً فالنساء لم يشاركن في أي جزء من العمليات التي تقدمها

عندما تزوجت عبدالرحمن كنت طالبة متفوقة، والعمل بجد واجتهاد هو جزء من شخصيتي. ذهبت إلى كندا بعد أن أنهيت دراستي في الثانوية ولكني لطالما أحسست بأن هناك شيئاً ناقصاً. في البداية كانت التأشيرة مقيدة وحدّت من أهليتي لمتابعة الدراسة، لذا انضممت إلى نادي طُلابي هو جمعية الطلبة المسلمين في جامعة كالجري. الجلوس هكذا دون عمل لم يكن خيارًا لي. كان يجب علي أن أقوم بشيء ذو قيمة

battle-board-game-challenge-209640.jpg

تطوعت لإدارة مبادرة أسبوع التوعية الإسلامي لأنني كنت بحاجة إلى التحدي. كان عبدالرحمن رئيس الجمعية، لذا كان هذا أول مشروع نعمل عليه سوياً. ولاجتذاب زملائنا الطلبة خططنا لإنشاء مسجد مؤقت في منتصف مركز ماك إيوان الطُّلابي وهو المقر الرئيسي في الحرم الجامعي. كانت خطوة طموحة لم يقم بها أحد من قبل

وبالطبع قوبلت الخطة ببعض التشكيك من قِبل أعضاء الجمعية ولكنني استطعت إقناعهم، ومعاً تمكنا من تحقيق هدفنا. خلال أسبوع التوعية الإسلامي تحولنا إلى خطاطين وعمال ومهندسي بناء وعمارة وظهرت مهاراتنا جلية للسطح. لقد كان شعور التناغم والتكاتف بين أعضاء الفريق عظيماً

كما أن النجاح الغير مسبوق لتركيب المسجد وإنجاز المبادرة مثالاً للشراكة كفريق مكون من زوجين. لقد استطعنا بناء شيء في منتهى القيمة سوياً

بعد عودتنا إلى مملكتنا الحبيبة أنهيت دراستي في إدارة الأعمال وحصلت على شهادتي التي بدأت بها في كندا، وبدأنا البحث عن مشروع جديد. وكانت مهمتنا التالية هي إعادة إحياء باتي فرانس والذي كان بمثابة استثمارا جانبيًّا في شركة العائلة. فبسبب غياب الاهتمام والإدارة الجيدة بات المطعم يتراجع وارتأينا أنه لا بد من تدخلنا لإنعاشه تفاديًا لقرار العائلة بإغلاقه

كيف استطعتم تحويل باتي فرانس إلى ما هو عليه الآن

قام عدد من الموظفين في المطعم بتقديم استقالتهم فور أن مسكت أنا وزوجي زمام الأمور عام 2008. ولكن هذا لم يزعجنا قط، فالفريق الناجح سيقوم بعمله بشكل أفضل بدون الأعضاء الذين يختارون الرحيل لأنهم ببساطة لا يريدون التغيير

حتى يكبر المشروع استلزم الأمر إعادة التأسيس بالكامل، لذا خلقنا خطة مدروسة وبدأنا العمل عليها. كانت رؤيتنا واضحة، كما كان توجهنا مدعوماً بخُبراء في القطاع. ولكن بعد افتتاح المطعم لم تكن النتائج كما توقعناها. في السابق كان باتي فرانس متخصصاً بوجبة الفطور، ولكن خطتنا البديلة كانت تطوير قائمة الطعام بحيث تشمل وجبتي الغداء والعشاء وطورنا ذلك كي يكون المطعم تحت خانة المطاعم الفاخرة. عندها حصل بعض النفور من زبائننا ونتيجة لذلك تزعزع المشروع وأصبنا بنكسة

ولكننا لم نيأس، بل تعلمنا أنه لا بد للخطط أن تكون متكيفة وديناميكية كشرط للنجاح. ومهما وصلت بك حدة التكهن بالنتائج لا يمكنك أبداً معرفة ما يمكن أن يحصل أو أن تسير الخطة كما خططت لها تماماً. فالمرونة الغريزية هي الحل الوحيد للاستعداد للظروف التي لم تكن في الحسبان

قاعة الطعام الداخلية لفرع باتي الأصلي في كورنيش الخبر

قاعة الطعام الداخلية لفرع باتي الأصلي في كورنيش الخبر

تطلب منا باتي فرانس الكثير من التعديلات كي يصبح مفهوم المطعم مقبولاً لدى الزبائن. أدرجنا العديد من التغييرات المهمة ولكن رؤيتنا ضلت ثابتة ، وهذا عامل آخر في غاية الأهمية. لم يكن مطعمنا مطعماً فاخراً بل مطعماً عائلياً حميمياً. استمعنا إلى آراء زبائننا وعملنا جاهدين لتحقيق وعدنا لهم

بعد هذا المشروع العظيم، قمتم بتوسعة أعمالكم إلى نشاطات أخرى، مالذي ساعدكم في عملية صنع القرار

نحن ننتهز الفرص بما يتوافق مع رؤيتنا الأساسية فقط. فالمحافظة على التركيز والتخصص هو المكمل لنجاحاتنا المستمرة. مهمتنا سهلة، وهي أن نكون في صدارة قطاع الضيافة والترفيه في الخليج

واستطعنا من خلال باتي فرانس تحقيق ما سعينا له في مجال المأكولات والمشروبات. والآن و لتكرار هذا النجاح فكرنا في توسعة عملنا إلى مجال الضيافة. نخطط لابتكار علامة فندقية تقدم تجربة فريدة من نوعها. هدفنا هو تغيير مفهوم الضيافة كلياًّ وربطه بعملائنا. فزبائننا يخبروننا دوماً أن خدماتنا ممتعة ومريحة في ذات الوقت. ونحن نفخر بهذه الازدواجية ونبحث دائماً عن طرق جديدة لخلق بيئة تجمع بين الفريد من نوعه والمألوف

كيف تلقت عائلتكِ خبر نجاحك خارج نطاق عمل الأسرة الخاص

تحمل رؤية 2030 في طياتها بداية انطلاقات جديدة وممتعة في البلاد. عرضت علي عائلتي الانضمام إلى الشركة ولكنني فخورة بالإنجاز الذي حققته مع زوجي. وبدلاً من العمل مع العائلة آثرت شركة مشاريع عون ومجموعة التميمي التعاون فيما بينهما بطريقة تكميلية تخدم كلتا المؤسستين. شركة عائلتي تعمل بالتزامن مع فئة المأكولات والمشروبات ضمن سلسلة أسواق التميمي التي تعتبر من أكبر سلسلات الأسواق في المملكة. كما وتتضمن مجموعة التميمي شركة تموين وصيانة وتشغيل تحمل اسم تافغا التي أسسها والدي والتي تقدم الوجبات للقوات المسلحة والمستشفيات ومعامل التكرير وغيرها من المنشآت النائية في المنطقة

إن فرصة العمل مع عائلتي هو مصدر إلهام وفخر كبير لي. والدي يصب جلّ اهتمامه على الأسرة ويبدو ذلك جلياً في مجال عمل الشركة، وهو شيء سأظل أحترمه دائماً

مالذي تقولينه لباقي النساء اللاتي يُفَكِّرن بالعمل الحر برفقة أزواجهن

تكمن المحافظة على علاقتي في العمل مع زوجي في ضرورة أن كل منا يفهم دوره، وهذا أمر إلزامي. فالسُّلم الإداري يجب أن يوضح منذ البداية. في حال كان هناك قرار لم يتفق عليه الجميع فمن يملك حق الفيتو؟ الشراكة القوية الفعالة هي مثال للتفاهم والثقة والاحترام وأهمها جميعاً الإيمان بالآخر. عليك أن تثقي بالقيمة الفريدة التي يطرحها شريكك. من المهم أن تعلمي أين نقطة التقاطع بين آرائكما ومعرفة متى وأين تساعدان بعضكما البعض أو أن تختلفا

كما أحب أن أضيف أنه ليس بالضرورة أن يكون الزوج الصالح هو الشريك المناسب. اختبرا شراكتكما بطريقة محدودة للتأكد من متانتها بغض النظر عن مدى معرفتكما ببعضكما قبل البدء بمشروع قد لا تتمكنان من إدارته

كيف تستطيعين بناء المرونة المطلوبة وشق طريقك عبر التحديات للوصول إلى النجاح

لا يمكن أبداً الهرب من المشاكل. فعلى سبيل المثال، حدثت مشكلة لمخبزنا لم نستطع حلها لأكثر من سنة. صحيح أني املك مطعماً لكني لست خبازة ولا طاهية. فقمت بمشاركة فريق العمل لدي لمراقبة المشكلة وبعدها نتناقش فيما رأيناه بإسهاب. وبعد هذا النقاش الطويل بدأ الحل بالتجلي شيئاً فشيئاً

الإدارة بالعمل اليدوي المباشر أمر ضروري. لا يلزمك أن تكون خبيراً في موضوع معين كي تتمكن من حل مشاكله، وأحياناً يكون رأي شخص خارج المجموعة أمراً لا غنى عنه. هكذا نبني المرونة، عبر العمل مع بقية فريق العمل على الأرض في مواجهة ضد التحديات

سأضرب مثلاً آخر: لقد قمنا بتجهيز ضيافة الطعام للقمة العربية عام 2018 لستمائة ضيف من ضيوف الحكومة. كان الحدث يضم أهم الشخصيات وتحت المجهر في الوقت ذاته. وقد قمنا بالتحضيرات والتي تشمل قائمة بأسماء الموظفين الذين يتطلب حصولهم على تصريح أمني

ولكن تفاجأنا بالقسم الحكومي المسؤول عن الأمن يقتطع عدد التصريحات الأمنية إلى النصف، شاملًا ذلك جميع المدراء المشرفين والذين لم يحصل أحد منهم على تصريح بالدخول. لم يبقى من الموظفين إلا طاقم الخدمة والتقديم والسائقين. لقد كنت أنا الوحيدة من طاقم الإدارة المسموح لي بالتواجد ولكن لم أكن بالخبرة الكافية لإدارة هذا النوع من الاجتماعات. رغم هذا، فالمرونة في مثل هذه المواقف ومواجهة الضغط بالنزول إلى الساحة كمديرة مباشرة كان لازماً لإنجاح هذا الحدث المهم

MILLE FEUILLES VANILLE.png

ما الدروس التي اكتسبتها من هذه التجربة

أحببت الطاقة التي خلقناها. وهذه التجارب هي ما تجعل منا فخورين بفريق العمل. مشاهدة ما يمكن لهؤلاء الموظفين أن ينجزوه بغض النظر عن منصبهم الوظيفي تُشعِرُك بالرضى كونك مالكًا في هذه الشركة. وهذا أمر لا يمكنك مشاهدته إلا بالخروج بنفسك إلى ساحة العمل. التحديات تظهر أفضل ما عند الناس وتطوير موظفينا هو أمر نلتزم به